لا يوجد إنسان من رجل أو امرأة، أو كبير أو صغير، إلا ويرى أحلاماً أثناء نومه بين حين وآخر . وعلى الرغم من أن نصوصاً شرعية كثيرة أوضحت حقيقة الأحلام ودلالاتها إلا أنها (أي الأحلام) أصبحت مصدراً لخرافات وسلوكيات يرفضها الإسلام، فهناك من يتخذ قراراته ويحدد علاقاته بالآخرين على حسب ما رآه في المنام، ومن يتفاءل أو يتشاءم أو ربما يسكنه الخوف بعد حلم أراحه أو أزعجه . ومن جهة أخرى هناك من يدّعون تفسير الأحلام وهم ليسوا مؤهلين لذلك، مستغلين هواجس الناس من أجل الحصول على مكاسب مادية .


كيف ينظر الإسلام إلى الأحلام؟ وما الشروط التي يجب توفرها فيمن يتصدى لتفسير الأحلام؟


هذا ما نسلط الضوء عليه في السطور التالية:


الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية يلاحظ أن الاشتغال بالأحلام وما يقع فيها مثّل أحد مخاوف الإنسان وهواجسه على مر التاريخ . . وذلك لأن الإنسان لم يعرف حقيقة ما يراه في المنام، وما علاقته باليقظة؟ وهل له علاقة بالروح أو العوالم الأخرى؟ وما علاقة الحلم بما مضى أو بما هو آت من أحداث؟


هذا الغموض وربما تعلقه ببعض جوانب الغيب فضلاً عن قلق الإنسان بطبعه مما قد يحدث له في ماله أو أولاده أو وظيفته أو مماته . . كل هذا جعل الحلم مادة للإثارة والمبالغة والخوف .


حقيقة إيمانية


وقبل الحديث عن التفسير الإسلامي للرؤى والأحلام أحب أن أقرر حقيقة إيمانية عامة وهي أن الإسلام أمن هذه المخاوف الإنسانية ورد الأمر كله لله كما رده إلى الأسباب المادية المسؤول عنها الإنسان، فليس هناك غموض عند المؤمن في تفسير الأشياء لأنها إما أن تقع في نطاق قدر الله وقضائه في خلقه أو ترتبط بالأسباب الطبيعية التي يعمل بها الإنسان . . كما أكد الإسلام في هذا السياق أن الليل والنهار أو اليقظة والنوم وما يحدث خلالهما هو من عدل الله وقدره وقضائه وعلمه تعالى . . يقول الحق: وجعلنا نومكم سباتاً وهي إشارة إلى فسيولوجية النوم وتهدئته للمركز العصبي، وقد ثبت أنه أثناء النوم يتوقف العقل الواعي وينشط العقل الباطن حيث تتفرغ الشحنات العاطفية والانفعالية التي يزدحم بها الوعي أثناء اليقظة، ولعل هذا يفسر ضرورة النوم وحدوث الحلم في سياق علم الله بخلقه: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار .


الرؤيا والحلم


شرعاً يفضل الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة أن يفرق بين الحلم والرؤيا، فالحلم تعبير عن هواجس النفس أو الشيطان، والرؤيا تعبير عن الرؤى الطيبة التي هي من قدر الله وهذا المعنى ورد في الحديث الشريف: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان .


ووقوع الرؤيا والحلم إذن ممكن ووارد، وقد تنوعت في تقليل أسبابه الحجج والآراء، فهناك من يقول إن الأحلام تنشأ كرد فعل على ما يشاهده الإنسان في يقظته، حيث يكون الحلم نتيجة لبعض هذه المشاهدات، بينما يرى آخرون أن الأحلام ليست سوى تعبير عن رغبات مكبوتة في النفس الإنسانية وهذا المعنى قد يكون له وجاهته كما طرحه بعض علماء النفس والاجتماع المحدثين ولكن بعضهم مثل دارون تطرف واعتبر الحلم تعبيراً عن رغبات جنسية مكبوتة وهو تعسف وابتذال ليس له ما يبرره علمياً وواقعياً .


وقد تقع الأحلام بسبب عدم تحكم العقل الواعي بكل الأحداث والمشاعر أثناء النوم حيث تتحرك المشاعر من دون ضابط وقد يقع هذا بسبب القلق الذهني أو الإجهاد العصبي والنفسي أو توعك الجسم بسبب التعب أو امتلاء البطن بالمأكل والمشرب .


ثلاثة أسباب


في التفسير الإيماني للأحلام يدور السبب حول واحد من ثلاثة، فإما أنها رؤى خير من الله أو رؤى شر من الشيطان، أو رؤى حديث نفس يحدث به الإنسان نفسه، كما أشار علماء الإسلام كذلك إلى دور فساد الصحة والمعدة في هذا .


وقد تكون الأحلام أمثالاً يضربها الله لعباده . . أو نوعاً من الإلهام الذي يلقيه الله في العبد فيشير به إلى أحداث سوف تقع أو تفسيرات لأحداث وقعت .


وكذلك قد يكون الحلم ناتجاً عن التقاء النائم بأرواح الموتى، وهذا السبب توسع فيه بعض العلماء حيث إن كثيراً من الأحلام تتعلق بالمتوفين، أو الحياة والموت، وهي هنا تدخل في الجانب الروحي الغيبي، وقد ذكر البعض هذا السبب في ضوء بعض الأحاديث العامة، مثال ذلك حديث: ما من عبد ينام إلا عرج بروحه إلى العرش، فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فهي التي تكذب . وحديث ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت ثم علقها وسط الجنة فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا يزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت عليه . ويعلق الإمام مالك على هذا الحديث بقوله: إن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت، وما يراه الناس من أرواح الموتى، ومجيئها إليهم من المكان البعيد أمر يعلمه عامة الناس .


وبناء على سبب الحلم يمكن تفسيره من الناحية الإسلامية .


آداب التفسير


ويقرر الدكتور غنايم أن تفسير الأحلام أمر لا بأس به من الناحية الشرعية بدليل ما أورده القرآن من رؤى وما أشار إليه الحديث من دلالات لها . غير أن هذا التفسير له آدابه التي من أهمها أن يكون المفسر تقياً ورعاً، وألا يبالغ في العلم والمعرفة وألا يشيع أمره وأمر من عبر عن حلمه .


في تفسير الرؤى يمكن أن تكون بعض الرؤى نوعاً من الإلهام وتأكيداً لتقوى الإنسان وورعه وهي لا تتأتى إلا للمؤمن العامل بالشريعة البعيد عن المحرمات . . وهذا هو المقصود من الرؤيا الصادقة التي هي من المبشرات كما في الحديث لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات . . قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له .


ومن أصدق الرؤى رؤى المؤمن لنبي الله على أية صورة، فتلك مما فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه حيث قال في الحديث . . من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو كأنما رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل بي ويقول العلماء من ظن أن جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من القبر وحضر إلى المكان الذي رآه فيه فهذا جهل وإنما الذي يراه مثاله لا شخصه، بدليل تعدد الهيئة التي قد يرى عليها رسول الله، كما قد يراه في الوقت الواحد آلاف الناس من المؤمنين .


أما الرؤى الفاسدة الخيالية المؤذية التي لا معنى لها، فهي أحلام لا يجوز ذكرها ولا التعلق بها ولا الحديث فيها ولا تفسيرها إذ إن تفسيرها سوف يفتح باباً واسعاً للخرافات والبدع .


ويمكن غلق هذا الموضوع بالإشارة إلى حديثين نبويين لهما دلالة واضحة، ففي الحديث الأول يقول جابر رضي الله عنه إن رجلا أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه، فزجره رسول الله وقال له: ما تخبر بتقلب الشيطان بك في المنام .


وفي حديث البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من أحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثاً وليحدث بها أحداً فإنها لن تضره .


فالرسول صلى الله عليه وسلم إذن لم يعن بفكرة تفسير الحلم ورغب في عدم شغل الإنسان بما شاهده من أحلام وعدم إشاعة الأحلام بين الناس حتى لا يكثر القيل والقال، كما أرسى الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدة شرعية ونفسية شديدة الأهمية هي أن الحلم أياً كان ليس له أي تأثيرات ضارة في حياة الإنسان كما يدعي البعض .


سلوكيات مرفوضة


عند هذه النقطة يتوقف الدكتور عبدالله بركات أستاذ الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر أمام بعض البدع والخرافات التي تسللت إلى سلوكيات البعض من وراء التعلق بالأحلام والاشتغال بفكرة تفسير الرؤى والأحلام . ويقول: يتخوف البعض من التأثير الضار للأحلام فيعلق قراراته على حلم رآه، أو يتشاءم بسبب حلم رآه في منامه . . ومنذ وقت قريب وقعت حادثة شهيرة قتل فيها رجل زوجته لأنه حلم بأنها خانته . . وأعرف أن بعض الناس لا يذهبون إلى مدينة معينة أو لا يصطحبون أولادهم إلى أماكن معينة بسبب حلم رأوه . . والإسلام يرفض هذا الاعتقاد ويرى أن أي هاجس بالليل لا يجوز أن يرتب الإنسان عليه أي موقف أو فعل لأن مرد الأمر كله لله ولا يضره حلمه كما قال الرسول صلى لله عليه وسلم في الحديث الصحيح .


ومن أكثر البدع في هذا الشأن تفرغ بعض المدعين للتفسير والتأويل ومبالغة البعض الآخر في التوقع والجزم بحدوث أو عدم حدوث شيء معين، وهو تصرف محسوب عليهم، خاصة أن بعضهم يريد الشهرة والصيت وبعضهم يرغب في التكسب، وبعضهم يطرح هذه التفسيرات على الملأ وربما من خلال بعض القنوات الفضائية كما يحدث في الوقت الحالي ما يزيد من الفتنة ويسيء إلى سمعة المسلمين وكأنهم أناس لا يحترمون الشرع ولا يقدرون العلم والعقل ومهمومون فقط بالغيبيات وعالم الأحلام والأرواح .


ونحن كمسلمين مأمورون بعدم الدخول في تفصيل هذه المسائل الغيبية، وعدم إعطائها أكبر من حجمها، وعدم الإسراف في الحديث فيها سواء من الرائي أو من يحاول تفسير هذه الرؤى حتى لا يدعي بعض هؤلاء شيئاً من الكرامات أو تكون سبباً في تضليل البعض أو التزيد على الآخرين وربما التقصير في العبادة والشريعة . . إذ من أسوأ ما يقع فيه بعض المفسرين أنك تجده مقصراً في عبادة الله أو متجاوزاً الحدود الشرعية، ثم يعيش مهموماً بهذا الأمر . والمؤكد أن صدق الرؤيا وصدق محاولة التفسير مرهون بقوة الإيمان وحسن العبادة وتطبيق شرع الله .


بدعة عجيبة


ويضيف الدكتور بركات: أعجب البدع التي تثار حول مسألة التفسير هذه ما سمعته من أن بعض المفسرين يدعون الاتصال بالروح وتفسير الحلم في ضوء هذا الاتصال . وهي بدعة ليس لها أصل من الشريعة والعقيدة ولا تمت إلى العقل والواقع بأي صلة .


فمسألة اتصال روح الحي بالحي لم يقل بها إنسان وليست مبرراً للتعرف إلى الأحوال والأحداث، وكذلك أرواح الموتى . . والرأي الشرعي الواضح في التعامل مع عالم الأرواح هو هذا المعنى الجامع الذي أوضحه الخالق في قوله تعالى: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ومهما كانت علاقة الحلم بالروح فليس هذا مبرراً لادعاء البعض اتصاله بالروح أو تفسير الحلم بالهوى!


وفي تصوري أن الإسلام قد أوضح حقيقة الإنسان وأنه مكون من بدن وروح وعلاقة كل منهما بالآخر . . بحيث لا يسرف الإنسان في التعلق بالروح والجري وراءها والادعاء باسمها .


ويرتبط ببدعة تفسير الأحلام كذلك أن البعض يشيع على ألسنة بعض المفسرين أنه بناء على حلم معين يحدد مستقبل الرائي في الآخرة، فالذي رأى نفسه في الجنة أو رأى محمداً عليه الصلاة والسلام في المنام فقد ضمن الجنة، ومن رأى نفسه على شر أو في النار فهو كذلك .


وهذا ورب الكعبة خطر كبير، لأنه يضيع أعظم فضيلة إسلامية وهي العمل والتماس التقوى ويؤسس هذا المصير الخطير على حلم أو تفسير مدع ومظنون . . فالعمل لا يسقط عن أحد أبداً، وحسن الظن بالله مرهون بحسن العمل، فالإيمان في الإسلام هو العمل . يقول الحق: يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخر هي دار القرار . من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب . وفي الحديث: إن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا لا حسنة لهم وقالوا كنا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل . فالإسلام يرفض الاتكال على الأماني والأحلام ويدعو للعمل والإتقان والكد والإخلاص . والإسلام مع تفهمه لطبيعة النفس الإنسانية وما قد يعتريها من تقلبات، فهو يرفض الادعاء والمبالغة والخرافات التي يلبسها البعض ثوب الحق أو يضفون عليها بعض صور التدين وما هي من التدين في شيء .